ئاژانسی هەواڵی زاگرۆس

صالح حيدو يعيد ترتيب الوجوه من ذاكرته الكوردية

يحاكي الفنان التشكيلي صالح حيدو الحلم الكوردي، عبر النبش في ذاكرته وذاكرة المجتمع المشتركة، والجمع بين مختلف الفنون التي يجيدها، كالموسيقى والشعر والرسم، والتي يعيد اكتشافها بإعادة تشكيل وجوه وبورتريهات لكورد يشبهونه ويذكرونه بوجوده وبأسئلة وجودية لم يتمكن بعد من الإجابة عليها.

 

صالح حيدو اسم معروف جدا على امتداد الساحة الكوردية، معروف كوجه ثقافي بدأت رحلته الجميلة مع الإبداع منذ كان يافعا، فأذكر في أواسط السبعينات من القرن الماضي كان نجم الأعراس الكوردية كمغن وعازف، وكان يلهب حلقات الراقصين بحركاتهم وينتقل برشاقة الواثق بينهم، في الوقت الذي لم يكن هناك مكبرات الصوت ولا التقنيات الحديثة، وحده مع طنبوره المعلق من رقبته، عليه أن يفعل الكثير من الجهد والكثير من الدراية والحنكة الإبداعية ليوصل سرب الراقصين بكامل حلقاتهم إلى سماء ما، إلى حماس عذب يلبسهم جميعا.

 

من الموسيقى إلى الشعر، ترك الغناء في الحفلات وحمل موسيقاه إلى الشعر الذي أصبح يعرف به كشاعر مهم من شعراء المرحلة. شاعر من الجيل الذي يلي جكرخوين وسيداي تيريز وبالو، حاول أن يكون خارج السرب لكن معطف كل من ملاي جزيري وجكرخوين كان أكبر من أن يتجاوزه أو ألا يلبسه ويخرج من تحته.

 

بقي حيدو يغرد كمعظم أبناء جيله إن لم يكن جميعهم تحت المعطف الأكبر الذي تحول إلى جدار يصعب عليه وعلى أي من أبناء جيله أن يتجاوزوه.

 

 

لسنا هنا في دراسة عن الشعر الكوردي ولا عن شعر صالح حيدو، سنترك ذلك لأصحاب الشأن. ومن الشعر إلى الباحث في التراث والفولكلور الكوردي، أتقن لهجاتها جميعا، وجال في معظم المدن الكوردية على امتداد مشاربها، بحثا عن أغنية قيلت وعن حكم وأمثال يرددها الكبار قبل الصغار، أو الأزياء التي كانوا يلبسونها والحكايات التي يتداولونها فيما بينهم وفي جميع المناسبات والفصول، سلاحه في كل تنقلاته كاميراته وقلمه وذاكرته ليخرج بزاد وفير يقترب من المعجزة، بزاد وحده يكاد يكون مكتبة تؤرشف الكثير من التراث الكوردي وفولكلوره، وتؤرخ الثقافة الشفهية المتوارثة من الأجداد، من أغان وحكايات وقصص وألعاب وعادات وملاحم، ينتشلها حيدو من الضياع والاندثار.

 

ما قام به حيدو تعجز عنه المؤسسات الرسمية، فكان حصيلة جهده عشرات الكتب والدواوين المطبوعة منها والمخطوطة ( 75 كتابا بين مطبوع وتحت الطبع)، أودع القسم الأكبر منها في معهد التراث الكوردي في السليمانية في كوردستان العراق.

 

يشكل صالح حيدو مع الكاتب الكوردي حاجي جندي الذي كتب وجمع وألف بدوره أكثر من مئة كتاب، أكثرها في التراث الكوردي وفولكلوره، يشكلان جناحي الإقلاع بالتراث الكوردي الشفاهي وحفظه وتدوينه ومنعه من الدفن والضياع.

 

لست هنا بصدد الحديث عن صالح حيدو الباحث والشاعر والموسيقي والإنسان، قد يأخذ منا ذلك كتابا وأكثر، لكن الذي أدارني إليه هو مفاجأتي به كرسام، إذ أرسل لي أحد الأصدقاء رسومات وموتيفات له تنشر لأول مرة، فالمفاجأة هنا أن يكون صالح حيدو رساما وبذلك يخبرنا عن شموليته في الميدان الإبداعي، هذا الخبر أفرحني ودفعني إلى الكتابة عنه.

 

بداية هنا ونحن نقف أمام رسوماته، يذكرنا حيدو بتجارب المستشرقين، الذين عادوا إلى بلادهم وفي جعبتهم ثقافة الشرق بأغصانها جميعا، وكانوا حين يحتاجون إلى صورة كاتب ما أو شخصية ما كانوا يرسمونها من ذاكرتهم معتمدين على معلومات يحملونها عنه وعن عصره أو من خلال قراءاتهم لأعماله. هكذا يفعل حيدو يقرأ لهم وعنهم وعن الظرف الذي يعيشون فيه زمكانيا، حتى يلم ويحيط بكل ما يخصهم والذي سيخدم رسمه ومدى دقته.

 

هو إلى جانب ذلك يملك ذاكرة متقدة وضاجة بمعلومات تخدم جدا أصابعه وهي تبدأ بترجمة المعلومات أو إعادة صياغتها بخطوط وظل ولون، معبرا بسعيه لتفعيل لحظات الإنتاج بوسائل ترتبط بدورها بمفاهيمه لا كإشارات دلالية بل كمعطيات حسية تستوطن إدراكه وبالتالي رسوماته كأنماط يمكن لمخزونه المعرفي أن يرشقها بمفاهيم جمالية.

 

الوجوه التي يعيد حيدو ترتيبها، بل صنعها وجوه دقيقة بملامحها ودقيقة بمنح تفاصيلها للمتلقي ليتعرف عليها وعلى سلسلة منطقها وتركيباتها الدلالية الصريحة منها والخفية، فحيدو يعتبر نقطة الصفر منطلقه دون أي تعديل في موقع المربعات، ولا في موقع البؤرة المركزية لعمله، وكل أشيائه توصله إلى حركته الداخلية التي توهم المتلقي بولادته في العمق حيث المدى يتلاشى عبر لغة قد تكون وسيلة لتوجهه بوجوهه نحو تأملات صوفية قريبة من حياتها بحياة الرغبة وهي تتخطى الجسد نحو روح على سطحها تمتد الأفكار الملازمة لنظراتهم أقصد نظرات وجوهه المبعثرة على البياض، حيث التناقضات القديمة/التاريخية تنبثق منها على شكل لم نعرفه سابقا.

 

ورغم أن حيدو لم يطرح نفسه كفنان تشكيلي أو كرسام، بل يلجأ إليها في اللحظة التي يحتاجها، كرسومات توضيحية لدواوينه الشعرية، أو بورتريهات لشخصيات تاريخية أو أدبية ترافق كتبه ومحاضراته لطلبته في الجامعة، أقول رغم أنه لم يطرح نفسه رساما فالشعر والبحث أخذ كل وقته، لكن أقول فيه كل مؤهلات الصعود، والطريق سيكون مثمرا، والأشجار ممكنة، هذا إذا فكر حيدو يوما أن تكون زرافاته ملتهبة، وأن يكون هذيانه الجميل غير مضطرب.

◄ حيدو يملك ذاكرة متقدة وضاجة بمعلومات تخدم جدا أصابعه وهي تبدأ بترجمة المعلومات أو إعادة صياغتها بخطوط وظل ولون

الفضاء الفني يليق بهذا الفنان الكوردي وفي هذه الحالة عليه أن يبني صومعته هنا بين ألوانه وأحباره، يتنفس هنا لا في الظاهر فحسب بل في العمق حيث الحركة يجب أن تكون عبثية ولا تقتصر على الهدم، بل الإصرار على التلاقي لكل المعطيات الجديدة التي قد تلد من بين أصابعه، تلك الأصابع التي قد لا نستغرب أن نكشف النقاب عنها، فالذي يعزف ويغني ويكتب الشعر، ويقطع آلاف الأميال بحثا عن حكاية أو نكتة أو حكمة أو زي أو أغنية أو أحجية، ليس غريبا أن يكون رساما، فهذه الأغصان تلتقي كثيرا في شجرة واحدة.

 

حيدو هو بحق شجرة مثمرة بل حقل مثمر ودائم الاخضرار والإنتاج اللذيذ يغري ذائقة المتلقي بدينامية بصرية وحسية تحرك انطباعاته، راسما فيها دوائر تجسد بدورها تدرجات استنباطية تحول المدى وفضاءاته إلى صفاء حسي فيه من التمهيد للغة فنية جميلة وعذبة، على تناقضاتها تتناغم وقائعها لتبلغ بكثافة خطوطه لعوالمه الخيالية والحلمية حيث القلق عميق.

 

إنه يحدد أهدافه قبل الإقلاع ويعصرها ثم ينثرها في لحظة الإقلاع، ويجمعها فيما بعد رويدا رويدا تبعا لتنوع إحساساته العميقة تلك، ثم يسعى إلى تحديد أطره ليبعث فيها الحياة من جديد، وما يميزه هنا هو محاكاته للحلم على تنوعه وعلى اختلاف قيمه دون مبالغات عقيمة، وبلغة أخرى وباختصار جدا فرسومات حيدو تجمع بين الشعر والموسيقى وذاكرة تمتد في السموات.‏

 

 

 

 

العرب

هەواڵی پەیوەندیدار

فيلم “السلاحف تطير ايضا” للكوردي بهمن قوبادي بين الأفلام العشرين الأكثر مشاهدة حول العالم

کەریم

نيجيرفان بارزاني يهنئ معلمي كوردستان

کەریم

دلخواز إبراهيم يركض برسوماته إلى حدود التماثل

کەریم