بإعلان الحزب الديموقراطي الكوردستاني عدم مشاركته في الانتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان العراق، المزمع إجراؤها بعد قرابة مئة يوم من الآن، اعتراضاً على قرارات المحكمة الاتحادية بشأن هذه الانتخابات، تكون العملية السياسية في الإقليم قد دخلت مأزقاً سياسياً استثنائياً. فالديموقراطي الكوردستاني هو أكبر أحزاب الإقليم الممثلة في البرلمان (45 مقعداً من أصل 100)، وقد يكون مقدمة لانسحاب الحزب من البرلمان والمؤسسات الاتحادية، بما في ذلك البرلمان المركزي.
البيان “القنبلة”
المكتب السياسي لـ”الديموقراطي الكوردستاني” أصدر بياناً تفصيلياً يوم أمس، الاثنين، أعلن فيه مقاطعته للانتخابات، معللاً ذلك بأن القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية بتاريخ 21 شباط (فبراير) 2024 تضمن “خروقات دستورية بحق الإقليم، هي امتداد لسلسلة من قراراتها غير الدستورية ضد الإقليم وذلك خلال السنوات الأربع الماضية، وفي الوقت نفسه فإن الذي لاحظناه في القرار، وهذا ما حذرنا الرأي العام منه في حينه، أنه عبارة عن خرق فاضح وخطير للدستور وإجهاض للنظام الديموقراطي في الإقليم، ومحاولة للعودة بالعراق الى نظام الحكم المركزي”.
بيان “الديموقراطي الكوردستاني” ركز على أربعة مرتكزات في القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية، قال إنها جميعاً من غير اختصاصها، ومنافية لروح وحرفية الدستور العراقي. وذكر “قيام المحكمة الاتحادية بتعديل المحاور الأساسية الهامة لقانون انتخاب برلمان كوردستان، وذلك في المواد الخاصة بتحديد نظام الدوائر الانتخابية وكوتا المكونات وعدد المقاعد والجهة المشرفة على الانتخاب والجهة المختصة بالبت في الطعون الانتخابية اضافة الى خرقها للمادتين 117 و121 من الدستور الخاصتين باستقلالية المؤسسة التشريعية في الاقليم”. فـ”الديموقراطي الكوردستاني” يأخذ برأي المجلس القضائي في إقليم كوردستان، الذي يعتبر مضامين أي قانون داخلي في الإقليم، بما في ذلك قانون الانتخابات، هو من اختصاص المؤسسات المحلية في إقليم كوردستان، ولها رفعة على القوانين الاتحادية في حال اعتراضهما، حسبما يشير الدستور بوضوح في المادة 117 منه.
“خرق للضمانات”
كذلك أشار بيان الحزب إلى إلغاء المحكمة الاتحادية مقاعد كوتا المكونات في قانون انتخاب برلمان كوردستان، مصنفاً إياه كأداة لـ”خرق ضمانات اجراء انتخابات حرة ونزيهة، تؤمن فرص المساواة والعدالة في الإقليم (…) كونه خرقاً لرغبة وإرادة مواطني الإقليم في التعامل مع أمر حساس كالتعايش وقبول الآخر الذي أصبح سمة مميزة لحالة الاستقرار والسلم الاجتماعي في الاقليم”، مضيفاً إن ذلك يتعارض مع المادة 49 من الدستور العراقي، بالإضافة لمخالفته للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقّع عليه العراق.
على أن الاعتراض الأكبر من “الحزب الديموقراطي” كان على رفع يد السلطة القضائية في الاقليم عن البت في الطعون الانتخابية، مصنفاً الأمر كـ”تجاوز خطير على السلطة القضائية في الإقليم ويعتبر خرقاً لاستقلالية الأقاليم من جهة وخروجاً على ما كان يتبع سابقاً من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي كانت تركن الى محكمة تمييز الإقليم للبت في الطعون الانتخابية”. وأشار البيان إلى مجموع القرارات المتتالية للمحكمة الاتحادية، التي صارت تنتهك “مبدأ الفصل بين السلطات، فقد وضعت نفسها مقام السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأناطت لنفسها من السلطات والصلاحيات ما لم ينص عليه الدستور”، حسب البيان.
الاستعدادات جارية
رئيس الفريق الصحافي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عماد جميل، صرح لوسائل إعلام محلية بأن مفوضيته لم تتلق أي طلبات لتأجيل انتخابات برلمان إقليم كوردستان، مؤكداً استمرار الاستعدادات لإجرائها في العاشر من حزيران (يونيو) المقبل.
رأي المفوضية جاء عقب إعلان العديد من الأحزاب الآشورية والتركمانية عدم مشاركتها في الانتخابات المقبلة، رداً على إلغاء مقاعد الكوتا الخاصة بالأقليات القومية في الإقليم (11 مقعداً من أصل 111)، إذ أعلنت “الحركة الديموقراطية الآشورية” وحزب “اتحاد بيت نهرين” و”الحزب الوطني الآشوري” و”المجلس الشعبي الكلداني” وحزب “أبناء النهرين” مقاطعتها لهذه الانتخابات، ومثلها أعلنت مجموع الأحزاب التركمانية مقاطعتها للحدث، مطالبة الأمم المتحدة ورئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء التدخل لإلغاء القرار.
استراتيجية “الديموقراطي”
الباحثة السياسية شانا كروان شرحت في حديث مع صحيفة “النهار العربي” ما ترى أنها استراتيجية الحزب الديموقراطي الكوردستاني للتعاطي مع المشهد العراقي خلال المرحلة المنظورة، قائلة “من الواضح جداً أن القوى المركزية الشيعية الحاكمة تسير في سياق تقليدي، تتقصد إضعاف الديموقراطي الكوردستاني، وهي أقصت قبل ذلك كل القوى المتحالفة والقريبة من الديموقراطي الكوردستاني، سواء التيار الصدري أو رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وحتى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني صار محل اتهام من قِبل هذه القوى، التي تضغط عليه لدفعه نحو عدم تنفيذ تعهداته تجاه الديموقراطي الكوردستاني”.
وتتابع: “لأجل ذلك، وعقب الزيارة المطولة التي قام بها رئيس وزراء الإقليم إلى الولايات المتحدة، فإن الديموقراطي الكوردستاني صار يشعر أن زيادة وتيرة ونوعية الاعتراض على هذه الأحزاب، بما في ذلك الانسحاب مستقبلاً من البرلمان والحكومة المركزية، وربما مقاطعة العملية السياسية والخروج بتظاهرات في إقليم كوردستان ومناطق نفوذه في كل من كركوك والموصل، بمساندة واتفاق غير معلن مع التيار الصدري والقوى السُنية المقربة من التحالف الثلاثي الذي كان، وحده قادر على دفع هذه القوى للجلوس إلى طاولة التفاوض السياسي والامتناع مجدداً عن استخدام المحكمة الاتحادية أو الحصار الاقتصادي ضد الإقليم”.
وتضيف كروان: “لا يبدو الأمر بذلك المسار الذي صارت ملامحه الأولى تظهر أمراً سهلاً، لأنه يحتاج إلى مؤازرة إقليمية وتغطية دولية، فالمزاحمة السياسية في العراق تتجاوز الوضع الداخلي، وهي جزء من كل الصراع الإقليمي، والديموقراطي الكوردستاني له تحالفات دولية وإقليمية، سيتضح مدى مساندتها له خلال الأيام والأسابيع السابقة للعاشر من حزيران المقبل”.